نفاضة الجراب – 26 ابريل 2018

نفاضة الجراب – 26 ابريل 2018

معزوفة على وتر الحنين
نفاضة الجراب
أتذكر الآن الفنان الجميل “سعيد صالح” – رحمه الله – في مسرحية (مدرسة المشاغبين) وهو يحكي عن أمه سليطة اللسان ، فيقول : إنها لا تترك سيرة احد إلا وأجهزت عليه ، ثم تختم رحلتها الشقية بعبارة : إحنا مالنا ؟ دع الخلق للخالق !!
أريد أن أترك الخلق للخالق .. فلا أذكر في هذه المعزوفة على أوتار الحنين غير الجوانب الطيبة ، في بعض من عرفت من شخصيات “زماني” المؤثرة في الحياة العامة ، العلمية بخاصة . وأصدقك القول .. إنني لم أستطع أن أبدأ رحلة الحنين قبل أن أنفض الجراب من بعض “الشوائب” التي أقلقتني حيناً من الدهر ، وربما أفسدت جانبا من نفسي، أو اعتقاداً كان راسخاً في وجداني ، فصدمه حدوث ما كان يظن باستحالته .
عبارة :”نفاضة الجراب” تراثية ، عنوان لبعض الدراسات الطريفة ، ومن قبله استخدمت مصطلح : “كناسة الدكان” – وكنت أول من استخدمه حديثاً في وصف محتوى رواية(المرايا) لنجيب محفوظ (1972) – عنوانا لمقالة نقدية بمجلة “البيان” عقب صدور الرواية .
أما “نفاضة الجراب” – وآمل ألا تؤذي هذه النفاضة صفاء عينيك ، أو نقاء ضميرك ، فأذكر من بينها – بغير ترتيب – أن نائب الرئيس لإدارة جامعة الفيوم اختار أستاذاً من كلية الزراعة – النائب نفسه متخرج في الزراعة – ليشرف على ثلاث باصات تحمل الأساتذة القاهريين من ساحة جامعة القاهرة إلى ساحة كلية الزراعة بالفيوم ، ليس في الأمر مشكلة ، بل فيه تيسير كبير ، وتخفيف عن بعض معاناة الأساتذة القادمين من القاهرة . كنت أستخدم سيارتي ، ولكن هناك من أغراني بتجربة الباص ، بذريعة أن السيارة التي أركبها أعلى ثمنا من كل ما سأقبض من الجامعة على امتداد خدمتي ! أطعت النصيحة ، وركبت الباص ، وكانت تذكرة الرحلة بثلاثة جنيهات ، فتزاحم عليها أعضاء هيئة التدريس بمستوياتهم ، دون تفرقة بين شيخ وشاب ، لدرجة أنني – غير مرة – أجد نفسي محشوراً في وسط الممر بين الكراسي ، حتى لأعجز عن الوصول إلى جيبي الخلفي ، لاستخراج بطاقة الركوب ، ولكن السيد (الأستاذ) المشرف ، يتشكك في عدم حملي للتذكرة ، ونبهته إلى وضعي ، ولكنه صرخ في السائق ، وكأنه (كمساري ضليع): توقف يا اسطى .. هذا الأستاذ أبو نضارة ليس معه تذكرة !! وتوقف الأسطى بالفعل ، ونزل الركاب الواقفون إلى جانب الطريق ، وأطلعته على التذكرة ، ثم عاتبته قائلا : يا دكتور .. حتى لو لم يكن معي تذكرة ما كان يليق أن تصيح في وجهي بأنني الأستاذ أبو نضارة !! يا دكتور : لي أصدقاء من المستشارين ، والقضاة ، لا يتحدث أحدهم عن واحد من زملائه إلا بقوله : الأستاذ الزميل ، وهذا ضرب من الاحترام المستحق بصرف النظر عن موضوع التذكرة . ويا أستاذ : اسمح لي .. على افتراض أن بعض الركاب من أعضاء هيئة التدريس يحاول التزويغ من الجنيهات الثلاثة ، أو الاشتراك الشهري ، فإن هذا أخف ضرراً من امتهان كرامته ، ومناداته بأبو نضارة !!
لم يحر الأستاذ الدكتور جواباً ، وانتهى الموقف إلى هذه الصورة الفظة ، وتذكرت عبارة الشاعر القديم : ( من يهن يسهل الهوان عليه )
ومنذ تلك المناسبة التي لا تُنسى ، انصرفت تماماً عن ركوب سيارات الجامعة ، التي لا أدري كيف يتعامل (الزملاء المحترمون) من الركاب ، والمشرفين فيما بينهم ؟!

اترك تعليقاً