ولا يزال باب الندم موارباً !! – 21 يونيو 2018
معزوفة على وتر الحنين
ولا يزال باب الندم موارباً !!
موقف قديم مضى عليه أكثر من ثلاثين عاماً ، لم يدخل دائرة النسيان ، وقد استدعته حوارات حادة تجري الآن حول طوفان الإعلانات ، التي تطالب الجمهور بالتبرع للمستشفيات ، وبعض المؤسسات الخيرية ، إذ تجاوز طوفان الإعلان الحد المقبول والمعقول ، وتحول إلى نوع من المطاردة والابتزاز ، وقطع الطريق على الضمير
لقد عشت تجربة ذلك الموقف القديم ، فعندما امتلأت أشرعة العودة إلى الوطن ، بنسيم الشوق ، وبقي لي في الكويت بضعة أشهر ، خطر لي أن أطلب “تبرعات” من أصدقائي هناك ، لصالح قريتي (تمي الأمديد) في مصر . بداية وجدت استجابة مناسبة ، ولم أكن في هذا العمل مبتدعاً ، بل متبعاً ، فقد سبقتني إليه في الكويت صحفية مصرية ذات حضور اجتماعي متميز ، أسست جمعية نسائية مصرية ، وجمعت باسمها أموالاً ، وأحياناً : ثياباً ، وبعثت بهذا كله إلى مصر ، فتحول إلى مشروعات خيرية ومعونات . عرضت فكرتي على هذه السيدة – وكانت زوجة لطبيب مصري مشهور – فتقبلت فكرتي، ودعتني إلى بيتها ، وأطلعتني على الأوراق والوثائق المطلوبة لممارسة مثل هذا العمل ، فشكرتها ، واتجهت إلى التنفيذ ، واتصلت بقريبي الأستاذ فتحي عامر – رئيس جمعية أبناء تمي الأمديد ، وشرحت له الفكرة ، وطلبت منه دفتر إيصالات مختومة ، فأمدني به على الفور ، وهكذا بدأت أمهد للمطلوب ، واذكر أنني حين تحدثت إلى الشاعر القومي الكبير أحمد السقاف – وكان مسئولاً عن “الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي” ، وكانت الميزانية السنوية المتاح له التصرف فيها تقارب العشرين مليوناً من الدنانير ، فذكر لي الأستاذ السقاف أنه على استعداد لتمويل أي مشروع تنموي في القرية ، ولكن بعد تقديم دراسة علمية تبين أهميته ، وجدولة المبالغ التي يحتاجها ، وكذلك كانت هناك استجابات أخرى فردية فرحت بها جداً ، وكتبت إلى الأستاذ فتحي عامر بأن يخطط لبيت للشباب ، ومكتبة عامة في القرية . ولكن حدث في تلك الفترة ذاتها ما أثار في قلبي ذعراً مؤكداً ، حملني على التراجع الكامل عن فعل أي شيء في هذا الاتجاه .
كيف حدث هذا ؟
كما ذكرت ، كنت أعيش الأشهر الأخيرة لي في الكويت لأغادرها نهائيا ، وبالطبع كان في حسابي مكافأة خدمة عشرين عاماً في الجامعة ، وما حصدته من الجوائز ، ولم يكن قليلاً ، وما أفدته من أحاديث ومقابلات الإذاعة عبر سنوات طوال ، ولم يكن قليلا كذلك . المهم أن مصدر الخوف بعثته صفحة واحدة مكتوبة في مجلة “المصور” المصرية ، نشرت في تلك الفترة ذاتها ، تندد بفعل تلك السيدة المحترمة ، وتصف جهدها في خدمة البيئة المصرية بأنها نوع من التسول يسيء إلى الوطن ، وأنها لا تخضع لمحاسبة ، فاختلط مالها بأموال الجمعية ، وقد ذُكر في هذا الهجوم اسم تلك السيدة كاملاً متكرراً !!
لقد شعرت بذعر حقيقي ، وقرأت مستقبل ، أو احتمالات مستقبل المشروع الذي أسعى إلى تغذيته قبل أن أغادر الكويت مغادرتي الأخيرة ، ورأيت أنني في غنى عن اتهام جاهز ، سيلاحقني ، كما يلاحق هذه السيدة المحترمة ، ويرى أن كل ما حصدته من عرقي وجهدي وعملي الدؤوب لربع قرن في الكويت ، إنما هو خلاصة ما جُمع من تبرعات باسم جمعية “تمي الأمديد” .
لقد عشت فترة حرجة جداً ، حتى قهرني الجزع ، فأعدت دفتر الإيصالات كاملا ، لم ينقص ورقة واحدة ، واعتذرت لرئيس الجمعية ، كما شكرت الأستاذ السقاف على حسن نيته . ولا يزال باب الندم موارباً .. فماذا لو ؟!