أتخيل .. فتكون الأشياء كما أتخيل !! – 28 يونيو – 2018

أتخيل .. فتكون الأشياء كما أتخيل !! – 28 يونيو – 2018

معزوفة على وتر الحنين
أتخيل .. فتكون الأشياء كما أتخيل !!
هذه مقولة مشهورة تُجمل وصف شخصية ” دون كيشوت” التي أبدعها أديب أسبانيا سرفانتيس ، متهكما من التظاهر بقيم الفروسية في زمن كانت فيه الفروسية قد انطوت . فمشكلة دون كيشوت أنه يتخيل أشياء لم يختبرها ، ولم يتمهل في اكتشافها ، مفترضا أن ما تخيله حقيقة ، لدرجة تجعله يتصور هذا الفلاح الذي يشق ظلام الفجر مع زوجته ، قاصدين طاحونة لإعداد القمح ، هو أحد الفرسان ، وقد اختطف إحدى الأميرات ، ويتعين على دون كيشوت أن ينقذها على الفور ، وهكذا تنشب معركة غير مكافئة على الطريق !!
في ” نفاضة الجراب” مواقف عانيتها بهذا النازع “الدون كيشوتي” !
عرفته ، فهو ينتسب إلى المنصورة ، كما ينتسب إلى باب الشعرية ، وكان معيدا بدار العلوم ، وساعدته – وأنا طالب – في تصحيح أخطاء رسالته الطباعية قبل عصر الكوركتور والتصوير ، وتجمعنا بقسم اللغة العربية (آداب الكويت) ، ثم تجمعنا – مرة أخرى – على طريق البصرة/بغداد ، وقد تعطلت سيارته ، فجاملته بالوقوف معه ، وكنا مصحوبين بأسرتينا ، فما لبثت الأسرتان أن تعارفتا ، ومضينا معاً إلى بغداد ، فقضى ليلته في رعاية صديقي الذي كان بانتظارنا ، وفي الصباح انطلقنا قاصدين مصيف الزبداني (السوري) ، فوجدنا فيلا مناسبة يمكن قسمتها على اثنين ، لأن أجرها كان مرتفعاً . وتخوفت زوجتي من حيف القسمة ، فقلت لها : إذا كان ولابد أن يمتاز أحدنا فهو أحق بالامتياز ، هو أكبر مني ، ولقبه العلمي أعلى ، ولم يدرس لي ، ولكنه بمثابة أستاذ !! وهكذا فاز بواجهة الفيلا والحديقة والتلفزيون والتليفون ، وحصلنا على غرفتين في آخر الممر . وتقبلنا هذا بشيء من الرضا ، وعوضناه بالألفة التي بدأت تتمدد بيننا ، غير أنه ما لبث أن انقلب تماماً إلى الاتجاه المعاكس ، حتى سخر منا ، ومنع أطفالي من اللعب في الحديقة مع أولاده ، وتمادت زوجة الدكتور فكشفت عن سوقية أصيلة ، وهكذا تمت القطيعة ، وانتهت العطلة الصيفية فعاد إلى الكويت قبلنا ، وترك علينا تسديد فاتورة الكهرباء ، وفاتورة التليفون ، واكتملت دائرة الخداع بأن قال لأخي : لقد وقع بيننا خلاف ، وهذا يحدث حتى بين الأشقاء ، ولكن علينا أن نحتفظ به لأنفسنا ، ولا نتحدث به لأحد . احترمت هذه اللفتة ، ولم أذكر ما جرى بسوء ، غير أنه وقد تمرس مثل جماعته بفنون الخداع ، وقد اطمأن لصمتي أن جعل حديثه في مجالسهم المغلقة بمثابة تشهير بي ، واختراع أسباب لسوء المعاملة . لم تكن هي الحقيقة وليست على مقربة منها ، وإنما هي اختراع يجيده المتاجرون بالكلام والشعارات .
وتمضي سنة وأخرى ، ويؤلف صديقنا المرحوم الدكتور عبد العزيز مطر كتابا عن اللهجة الكويتية ، وعرضه تمثيلا وتوضيحا في ندوة على مسرح الخالدية ، فلقي استحساناً غامراً ، أكثره بسبب اعتقاد جمهور الكويت أنه لا احد غير كويتي يستطيع أن يقلد لهجتهم ، والتعبيرات المألوفة في أحاديثهم !! فلما كان صاحبنا إياه متمرسا بالحقد ، حسودا إلى أقصى درجة ، استكثر على الدكتور مطر أن ينال هذه الحظوة في الجامعة ، فقرر أن يجاريه بتأليف كتاب عن “الألفاظ الأجنبية في لهجة الكويت” ، ولأنه في عجلة من أمره فقد وقع في أخطاء منهجية ، وحتى في تجميع المادة العلمية نفسها ، وقد طبعت الجامعة كتابه كما طبعت – من قبل – كتاب الدكتور مطر ، ولكن رد الفعل كان مختلفا تماماً إلى درجة النقيض ، مما جعل من الكتاب فضيحة علمية ، حتى وضعته الإدارة في مخازنها ، ومنعت تداوله . وطار الغبار عن الجراب ..
لقد تخيلت ، ولم تكن الأمور أبدا كما أتخيل !!

اترك تعليقاً